فصل: الحديث الثَّلَاثِينَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّامِن بعد الْعشْرين:

أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «لَوْلَا أَن أشق عَلَى أمتِي لأمرتهم بِتَأْخِير الْعشَاء إِلَى ثلث اللَّيْل أَو نصفه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي الحَدِيث الْخَامِس عشر من بَاب الْوضُوء، وفِي الْبَاب أَيْضا.

.الحديث التَّاسِع بعد الْعشْرين:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ النِّسَاء ينصرفن من صَلَاة الصُّبْح مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهن متلفعات بمروطهن مَا يعرفن من الْغَلَس».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيثهَا قَالَت: «لقد كَانَ نسَاء من الْمُؤْمِنَات يشهدن الْفجْر مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم متلفعات بمروطهن، ثمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتهنَّ وَمَا يعرفن من تغليس رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّلَاةِ». هَذَا لفظ مُسلم. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِن كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ليُصَلِّي الصُّبْح فتنصرف النِّسَاء متلفعات بمروطهن مَا يعرفن من الْغَلَس».
وَلَفظ البُخَارِيّ: «كن نسَاء الْمُؤْمِنَات يشهدن مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْفجْر متلفعات بمروطهن، ثمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتهنَّ حِين يقضين الصَّلَاة لَا يعرفهن أحد من الْغَلَس».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُصَلِّي الصُّبْح بِغَلَس فينصرفن نسَاء الْمُؤمنِينَ لَا يعرفن من الْغَلَس أَو لَا يعرف بَعضهنَّ بَعْضًا». وَفِي رِوَايَة: متلفعات.
فَائِدَة: متلفعات- بِالْعينِ بعد الْفَاء؛ أَي متلفحات ومتلففات بتكرار الْفَاء، وَمَعْنَاهَا مُتَقَارب إِلَّا أَن التلفع لَا يسْتَعْمل إِلَّا مَعَ تَغْطِيَة الرَّأْس والمروط وَاحِدهَا: مرط- بِالْكَسْرِ-: أكسية من صوف.

.الحديث الثَّلَاثِينَ:

قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام «المؤذنون أُمَنَاء النَّاس عَلَى صلَاتهم».
هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق أَحدهَا: من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة، عَن أَبِيه، عَن جده أبي مَحْذُورَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أُمَنَاء النَّاس عَلَى صلَاتهم وسحورهم المؤذنون».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث يَحْيَى بن عبد الحميد هُوَ الْحمانِي، وَيَحْيَى هَذَا حَافظ شيعي جلد، وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره. وَقَالَ ابْن عدي: صنف الْمسند وَلم أر فِي مُسْنده وَلَا فِي أَحَادِيثه أَحَادِيث مَنَاكِير، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَضَعفه الْجُمْهُور، وَمِنْهُم النَّسَائِيّ وَأحمد. وَقَالَ أَحْمد: كَانَ يكذب جهارًا، مازلنا نعرفه يسرق الْأَحَادِيث. وَقَالَ السَّعْدِيّ: سَاقِط. وَقَالَ ابْن نمير: كَذَّاب.
الطَّرِيق الثَّانِي: من رِوَايَة ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما رَفعه: خصلتان معلقتان فِي أَعْنَاق المؤذنين للْمُسلمين: صلَاتهم وصيامهم.
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه وَفِي إِسْنَاده: مَرْوَان بن سَالم الْجَزرِي ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَقَالَ أَحْمد وَغَيره: لَيْسَ بِثِقَة.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن الْحسن أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: المؤذنون أُمَنَاء النَّاس عَلَى صلَاتهم، وَذكر مَعهَا غَيرهَا.
رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم عَن عبد الْوَهَّاب، عَن يُونُس، عَن الْحسن بِهِ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: المؤذنون أُمَنَاء النَّاس عَلَى صلَاتهم وحاجتهم- أَو حاجاتهم.
قلت: وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ المُرَاد بقوله: وَذكر مَعهَا غَيرهَا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: حَدِيث الْحسن هَذَا هُوَ الصَّحِيح خلاف رِوَايَته لَهُ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا.
الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَقد ذَكرنَاهَا آنِفا من كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ.
الطَّرِيق الْخَامِس: من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ذكره الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ عقب: حَدِيث الْحسن: وَرُوِيَ ذَلِك عَن جَابر وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ، قَالَ: وَرُوِيَ فِي ذَلِك عَن أبي أُمَامَة أَنه قَالَ: «المؤذنون أُمَنَاء الْمُسلمين، وَالْأَئِمَّة ضمناء». قَالَ: وَالْأَذَان أحب إِلَيّ من الْإِمَامَة.
قلت: فَحَدِيث الْحسن يحْتَج بِهِ. وَهُوَ الْعُمْدَة: إِذا؛ فَإِنَّهُ انْضَمَّ إِلَى إرْسَاله اتِّصَاله من وُجُوه أخر.

.الحديث الحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق».
هَذَا الحَدِيث قَاعِدَة من قَوَاعِد الْإِسْلَام يدْخل فِيهَا مَا لَا يُحْصَى من الْأَحْكَام، لَهُ طرق أقواها طَرِيق عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها رَوَاهُ إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود عَنْهَا أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الْمُبْتَلَى حَتَّى يبرأ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يكبر» وَفِي لفظ: «يَحْتَلِم»، وَفِي لفظ: «يبلغ».
رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد فِي سنَنه فِي الْحُدُود وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمَا فِي الطَّلَاق وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي الْبيُوع، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بِإِسْنَاد حسن، بل صَحِيح مُتَّصِل كلهم عُلَمَاء.
قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَفِي سؤلات ابْن الْجُنَيْد قَالَ رجل ليحيى بن معِين: هَذَا الحَدِيث عنْدك واه؟ فَقَالَ: لَيْسَ يروي هَذَا إِلَّا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حَمَّاد- يَعْنِي: ابْن أبي سُلَيْمَان.
قلت: هُوَ الْفَقِيه أخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين وَغَيره، وَتكلم فِيهِ الْأَعْمَش وَابْن سعد.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: حَدِيث عَائِشَة هَذَا أَقْوَى إِسْنَادًا من حَدِيث عَلّي.
قلت: لَا شكّ فِي ذَلِك، وَلَا فرق وَلَا مرية لما ستعلمه.
الطَّرِيق الثَّانِي: طَرِيق أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه من رِوَايَة قَتَادَة، عَن عبد الله بن أبي رَبَاح عَنهُ «أَنه كَانَ مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر...» فَذكر قصَّة، وَقَالَ: فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِنَّه يرفع الْقَلَم عَن ثَلَاث: عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الْمَعْتُوه حَتَّى يَصح، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم».
رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي الْحُدُود، عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، نَا هَاشم بن مرْثَد الطَّبَرَانِيّ نَا عَمْرو بن الرّبيع بن طَارق، نَا عِكْرِمَة بن إِبْرَاهِيم، حَدثنِي سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة بِهِ ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ.
قلت: وَهَذِه طَريقَة عزيزة الْوُجُود جَيِّدَة لَو سلمت من عِكْرِمَة بن إِبْرَاهِيم؛ فَإِنَّهُ ضَعِيف. قَالَ ابْن حبَان: وهَاشِم بن مرْثَد لَيْسَ بِشَيْء، وَابْنه صَدُوق.
الطَّرِيق الثَّالِث: طَرِيق عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهُوَ مَرْوِيّ عَنهُ من وُجُوه، أَحدهَا: من حَدِيث أبي الضُّحَى مُسلم بن صبيح- بِضَم الصَّاد- عَنهُ مَرْفُوعا: «رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم، وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه فِي الْحُدُود هَكَذَا، وَهُوَ مُنْقَطع، أَبُو الضُّحَى لم يدْرك عليًّا.
قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي مراسيله: قَالَ أَبُو زرْعَة: مُسلم بن صبيح عَن عَلّي مُرْسل.
الْوَجْه الثَّانِي: من حَدِيث الْقَاسِم بن يزِيد عَنهُ: «رفع الْقَلَم عَن الصَّغِير، وَعَن الْمَجْنُون، وَعَن النَّائِم».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه هَكَذَا فِي كتاب الطَّلَاق، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْحُدُود تَعْلِيقا من غير ذكر إِسْنَاد إِلَى الْقَاسِم، فَقَالَ: رَوَاهُ ابْن جريج، عَن الْقَاسِم بن يزِيد، عَن عَلّي، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم زَاد فِيهِ «والخَرِفِ». وَهَذَا مُنْقَطع أَيْضا، الْقَاسِم بن يزِيد لم يدْرك عليًّا. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي مراسيله: قَالَ أَبُو زرْعَة: الْقَاسِم بن يزِيد بن مُعَاوِيَة، عَن عَلّي مُرْسل، وَأغْرب الذَّهَبِيّ فَذكره فِي ضُعَفَائِهِ فَقَالَ: الْقَاسِم بن يزِيد، عَن عَلّي، وَمَا أدْركهُ فَهُوَ مُنْقَطع، هَذَا لَفظه.
الْوَجْه الثَّالِث: من حَدِيث جرير، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي ظبْيَان- وَهُوَ حُصَيْن بن جُنْدُب- الجنبَّي قَالَ: «أُتِي عمر بِامْرَأَة قد فجرت فَأمر برجمها، فَمر عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَأَخذهَا فخلى سَبِيلهَا، فَأخْبر عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: ادعوا لي عليًّا، فجَاء عَلّي فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لقد علمت أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ وَعَن الْمَعْتُوه حَتَّى يبرأ، وَإِن هَذِه معتوهة بني فلَان لَعَلَّ الَّذِي أَتَاهَا أَتَاهَا وَهِي فِي بلائها. قَالَ: فَقَالَ عمر: لَا أَدْرِي! فَقَالَ عَلّي: وَأَنا لَا أَدْرِي».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِهَذَا اللَّفْظ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا، وَعَطَاء «هَذَا» قد أسلفنا فِي بَاب الْأَحْدَاث أَنه من الثِّقَات الَّذين اختلطوا بِأخرَة؛ فَمن سمع مِنْهُ قَدِيما فَهُوَ صَحِيح، وَمن سمع مِنْهُ حَدِيثا فَلَا، وَإِن جَرِيرًا سمع حَدِيثا، كَمَا نَص عَلَيْهِ أَحْمد وَيَحْيَى بن معِين، وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَة جرير عَنهُ.
قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي الْحصين عُثْمَان بن عَاصِم الْأَسدي، عَن أبي ظبْيَان، عَن عَلّي قَوْله. قَالَ: وَهَذَا أولَى بِالصَّوَابِ من حَدِيث عَطاء، وَلم يذكر الْمُنْذِرِيّ مُتَابعًا لجرير عَن عَطاء، وَقد تَابعه أَبُو الْأَحْوَص وَحَمَّاد بن سَلمَة وَعبد الْعَزِيز بن عبد الصَّمد وَغَيرهم كَمَا ستعلمه من كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ، وَأخرج الأول أَبُو دَاوُد، وَالثَّانِي أَحْمد فِي مُسْنده، وَالثَّالِث ابْن أبي عمر فِي مُسْنده كَمَا أَفَادَهُ صَاحب الإِمام ثمَّ قَالَ: فَهَؤُلَاءِ جمَاعَة رَوَوْهُ عَن عَطاء مَرْفُوعا، فَينْظر فِي حَال سَماع هَؤُلَاءِ من عَطاء، هَل كَانَ قبل الِاخْتِلَاط أَو بعده.
قلت: أما حَمَّاد بن سَلمَة فقد قدمت فِي بَاب الْأَحْدَاث عَن يَحْيَى بن معِين أَنه سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط، ونقلت عَن الدَّارَقُطْنِيّ مَا يتَوَقَّف فِيهِ فَرَاجعه من ثمَّ، وَأما أَبُو الْأَحْوَص وَعبد الْعَزِيز فَلم يتحرر لي الْآن حَال روايتهما عَنهُ، ثمَّ قَالَ لَكِن بعد صِحَّته عَن عَطاء: فِيهِ أَمر آخر، وَهُوَ أَن فِي أَلْفَاظ الحَدِيث من رِوَايَة أبي ظبْيَان مَا يتَوَقَّف اتِّصَاله وَعدم انْقِطَاعه عَلَى لِقَائِه لعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَإِنَّهُ حَكَى وَاقعَة مُعينَة بأحوالها، وَأمر عمر ولقاء عَلّي لعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما وَقَوله، وَقَول عمر لَهُ؛ فَإِن لم يكن مشاهدًا للواقعة مُحْتملا للسماع من عمر فَهُوَ مُنْقَطع، وَقد تقع رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث عَن عَلّي من غير ذكر صُورَة الْوَاقِعَة فَيَسْبق إِلَى ذهن السَّامع اتصالها وَلَو لم يكن فِي هَذَا إِلَّا مَا سَيَأْتِي من رِوَايَة الْأَعْمَش لَهُ عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس لكفى.
قلت: لَكِن قد ثَبت لقِيه لَهُ فَفِي علل الدَّارَقُطْنِيّ قيل: لَقِي أَبُو ظبْيَان عليًّا وَعمر؟ قَالَ: نعم. وَأما أَبُو حَاتِم فَقَالَ: لَا يتَبَيَّن لي سَمَاعه من عَلّي.
الْوَجْه الرَّابِع: من حَدِيث جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أُتي عمر بمجنونة قد زنت، فَاسْتَشَارَ فِيهَا أُنَاسًا، فَأمر بهَا عمر أَن ترْجم، فَمر بهَا عَلّي بن أبي طَالب فَقَالَ: مَا شَأْن هَذِه؟! قَالُوا: مَجْنُونَة بني فلَان زنت، فَأمر بهَا أَن ترْجم، قَالَ: فَقَالَ: ارْجعُوا بهَا، ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أما علمت أَن الْقَلَم رفع عَن ثَلَاثَة: عَن الْمَجْنُون حَتَّى يبرأ، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يعقل؟ قَالَ: بلَى قَالَ: فَمَا بَال هَذِه ترْجم؟! قَالَ: لَا شَيْء، قَالَ: فأرسلها! قَالَ: فأرسلها! فَجعل عمر يكبر».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه فِي الْحُدُود، هَكَذَا. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث وَكِيع، عَن الْأَعْمَش نَحوه، وَقَالَ أَيْضا: «حَتَّى يعقل» وَقَالَ: «وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق». ورَوَاهُ من حَدِيث جرير، عَن سُلَيْمَان بن مهْرَان- هُوَ الْأَعْمَش- عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «مرّ عَلّي بن أبي طَالب...» بِمَعْنى مَا قبله «وَقَالَ: أَو مَا تذكر أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن الْمَجْنُون المغلوب عَلَى عقله، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم؟ قَالَ: صدقت. قَالَ: فخلي عَنْهَا».
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم من حَدِيث جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، كَمَا مر أَولا.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ فِي بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة بِاللَّفْظِ الآخر ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ، وَرَوَاهُ أَيْضا كَذَلِك فِي الْبيُوع وَسكت عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ فِي الْحُدُود فِي أَوَاخِر مُسْتَدْركه من حَدِيث جَعْفَر بن عون، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أُتِي عمر بمبتلاة قد فَجَرَتَ، فَأمر برجمها، فَمر بهَا عَلّي بن أبي طَالب وَمَعَهَا الصّبيان يتبعونها، فَقَالَ: مَا هَذِه؟ قَالُوا: أَمر بهَا عمر أَن ترْجم، قَالَ: فَردهَا وَذهب مَعهَا إِلَى عمر وَقَالَ: ألم تعلم أَن الْقَلَم رفع عَن ثَلَاث: عَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل، وَعَن الْمُبْتَلَى حَتَّى يفِيق، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم؟...» هَكَذَا وَقع فِي الرِّوَايَة ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ: وَرَوَاهُ شُعْبَة، عَن الْأَعْمَش بِزِيَادَة أَلْفَاظ، ثمَّ ذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أُتِي عمر بمجنونة حُبْلَى فَأَرَادَ أَن يرجمها فَقَالَ لَهُ عَلّي: أَو مَا علمت أَن الْقَلَم قد رفع عَن ثَلَاث: عَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، فخلى عَنْهَا».
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن شَيْخه ابْن خُزَيْمَة، نَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، أبنا ابْن وهب أَخْبرنِي جرير بن حَازِم، عَن سُلَيْمَان بن مهْرَان، كَمَا سَاقه أَبُو دَاوُد أخيرًا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: رُوَاته ثِقَات إِلَّا أَن جَرِيرًا تفرد بِرَفْعِهِ عَن سُلَيْمَان.
وَرَوَاهُ الْجَمَاعَة عَن الْأَعْمَش مَوْقُوفا عَلَى عَلّي. وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن حَدِيث ابْن عَبَّاس، عَن عَلّي مَرْفُوعا: «رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن الْمَجْنُون، والنائم، وَالصَّبِيّ» فَقَالَ: هُوَ حَدِيث يرويهِ أَبُو ظبْيَان، وَاخْتلف عَنهُ؛ فَرَوَاهُ سُلَيْمَان الْأَعْمَش، وَاخْتلف عَنهُ فَقَالَ: جرير بن حَازِم، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عَلّي فرفعه إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عَلّي وَعَن عمر، تفرد بذلك عبد الله بن وهب، عَن جرير بن حَازِم، وَخَالفهُ ابْن فُضَيْل ووكيع؛ فروياه عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عَلّي وَعمر مَوْقُوفا، ورَوَاهُ عمار بن زُرَيْق، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن عَلّي وَعمر مَوْقُوفا، وَلم يذكر فِيهِ ابْن عَبَّاس، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سعد بن عُبَيْدَة عَن أبي ظبْيَان مَوْقُوفا وَلم يذكر ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ أَبُو حُصَيْن، عَن أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس، عَن عَلّي وَعَن عمر مَوْقُوفا، وَاخْتلف فِيهِ فَقيل: عَن أبي ظبْيَان، عَن عَلّي مَوْقُوفا. قَالَه أَبُو بكر بن عَيَّاش وَشريك، عَن أبي حُصَيْن، وَرَوَاهُ عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي ظبْيَان، عَن عَلّي وَعمر مَرْفُوعا وَحدث بِهِ عَنهُ حَمَّاد بن سَلمَة وَأَبُو الْأَحْوَص وَجَرِير بن عبد الحميد وَعبد الْعَزِيز بن عبد الصَّمد الْعمي وَغَيرهم، وَقَول وَكِيع وابْن فُضَيْل أشبه بِالصَّوَابِ، وَالله أعلم، قيل: لَقِي أَبُو ظبْيَان عليًّا وَعمر؟ قَالَ: نعم.
الْوَجْه الْخَامِس: من حَدِيث همام، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يشب، وَعَن الْمَعْتُوه حَتَّى يعقل».
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ كَذَلِك فِي الْحُدُود من جامعه وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم مَرْفُوعا وموقوفًا عَلَى عَلّي، وَقَالَ: إِن الْوَقْف أولَى بِالصَّوَابِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي الْحُدُود أَيْضا عَن ابْن خُزَيْمَة، عَن عَلّي بن عبد الْعَزِيز، نَا عَفَّان، نَا همام...
فساقه كَمَا ذكره التِّرْمِذِيّ قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب من هَذَا الْوَجْه، وَقد رُوِيَ من غير وَجه عَن عَلّي، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وذكر بَعضهم «وَعَن الْغُلَام حَتَّى يَحْتَلِم» قَالَ: وَلَا يعرف لِلْحسنِ سَمَاعا من عَلّي بن أبي طَالب. وَقد كَانَ فِي زَمَنه وأدركه، وَقَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاده صَحِيح مُرْسل. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي مراسيله: سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن الْحسن الْبَصْرِيّ هَل لَقِي أحدا من الْبَدْرِيِّينَ؟ قَالَ: رَآهُمْ وَقد رَأَى عليًّا. قلت: سمع مِنْهُ حَدِيثا؟ قَالَ: لَا.
وقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: هَذَا الحَدِيث أسْندهُ عَلّي بن عَاصِم، عَن حميد الطَّوِيل، وأسنده غَيره عَن يُونُس بن عبيد، وَكِلَاهُمَا عَن الْحسن، عَن عَلّي مَرْفُوعا، وَوَقفه غَيرهمَا، وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ.
قلت: لَا جرم، أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه مُعَلّقا مَوْقُوفا فِي مَوْضُوعَيْنِ: أَحدهمَا: فِي الطَّلَاق، وَلَفظه: «وَقَالَ عَلّي بن أبي طَالب: ألم تعلم أَن الْقَلَم رفع عَن ثَلَاثَة: عَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يدْرك، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ».
ثَانِيهمَا: فِي بَاب لَا ترْجم الْمَجْنُونَة وَالْمَجْنُون، وَبَين فِيهِ الْمَقُول لَهُ وَهَذَا لَفظه: «وَقَالَ عَلّي لعمر: أما علمت أَن الْقَلَم رفع عَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يدْرك، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ».
الطَّرِيق الرَّابِع: من طَرِيق ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَالْمَعْتُوه حَتَّى يفِيق، وَالصَّبِيّ حَتَّى يعقل- أَو يَحْتَلِم».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه عَن الْحسن بن جرير الصُّورِي، ثَنَا أَبُو الْجمَاهِر، نَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن عبد الْعَزِيز بن عبيد الله، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ. وعبد الْعَزِيز هَذَا ضعفه ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم وَابْن الْمَدِينِيّ، وَمَا رَوَى عَنهُ غير إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش.
الطَّرِيق الْخَامِس وَالسَّادِس: طَرِيق مَكْحُول، عَن أبي إِدْرِيس قَالَ: أَخْبرنِي غير وَاحِد من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم شَدَّاد بن أَوْس وثوبان: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «رفع الْقَلَم فِي الْحَد: عَن الصَّغِير حَتَّى يكبر، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق، وَعَن الْمَعْتُوه الْهَالِك».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث برد بن سِنَان، عَن مَكْحُول بِهِ، وَبرد هَذَا دمشقي مَشْهُور أخرج لَهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة. وَضَعفه ابْن الْمَدِينِيّ وَأَبُو حَاتِم فِي أحد قوليه. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: يرَى الْقدر. وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة.
وَإِذا فزغنا من الْكَلَام عَلَى إِيضَاح طرقه وتبينها وَللَّه الْحَمد عَلَى ذَلِك وَعَلَى جَمِيع مننه فلنختمه بفوائد:
الأولَى: هُوَ بِلَفْظ: «رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة» بِإِثْبَات الْهَاء، وَوَقع فِي الرَّافِعِيّ وَبَعض كتب الْفُقَهَاء بحذفها وَكَذَا فِي بعض الرِّوَايَات عَلَى مَا ألفيته فِي حَدِيث أبي قَتَادَة وَغَيره مِمَّا سلف.
الثَّانِيَة: الرّفْع لَا يَسْتَدْعِي تَقْدِيم وضع؛ فَإِن الْقَلَم لم يوضع عَلَى الصَّبِي، كَمَا أَن التّرْك لَا يَسْتَدْعِي سبق فعل قَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَن يُوسُف الصّديق {إِنِّي تركت مِلَّة قوم لَا يُؤمنُونَ} الْآيَة، وَمن الْمَعْلُوم أَنه لم يكن عَلَى تِلْكَ الْملَّة قطّ، وَقَالَ شُعَيْب لما قَالَ لَهُ قومه: {لنخرجنك يَا شُعَيْب وَالَّذين آمنُوا مَعَك من قريتنا أَو لتعودُن فِي ملتنا قَالَ أَو لَو كُنَّا كارهين} الْآيَة، وَمن الْمَعْلُوم أَن شعيبًا لم يكن فِي تِلْكَ الْملَّة.
الثَّالِثَة: هَذَا الرّفْع الظَّاهِر أَنه مجَاز عَن عدم التَّكْلِيف لَا حَقِيقَة قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان: يُرِيد أَنه لَا يكْتب عَلَيْهِم الشَّرّ بل الْخَيْر لحَدِيث: «أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: نعم وَلَك أجر».
الرَّابِعَة: «الخَرِف» فِي رِوَايَة أبي دَاوُد السالفة المُرَاد بِهِ: الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي زَالَ عقله من الْكبر وَورد فِيهِ حَدِيث مَوْضُوع يَقْتَضِي ارْتِفَاع التَّكْلِيف عَنهُ، وَهُوَ بَاطِل لَا أصل لَهُ.

.الحديث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مروا أَوْلَادكُم بِالصَّلَاةِ وهم أَبنَاء سبع سِنِين، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وهم أَبنَاء عشر وَفرقُوا بَينهم فِي الْمضَاجِع».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه كَذَلِك من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، وَقد أسلفنا مَا فِي هَذِه التَّرْجَمَة وَأَن الْأَكْثَر عَلَى الِاحْتِجَاج بهَا، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِلَفْظ: «مروا الصّبيان بِالصَّلَاةِ لسبع سِنِين، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا فِي عشر سِنِين، وَفرقُوا بَينهم فِي الْمضَاجِع».
وَله طَرِيق آخر من حَدِيث عبد الْملك بن الرّبيع بن سُبْرَة الْجُهَنِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مروا الصَّبِي بِالصَّلَاةِ إِذا بلغ سبع سِنِين، وَإِذا بلغ عشر سِنِين فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: احْتج مُسلم بِعَبْد الْملك هَذَا وَأَبِيهِ وجده، رَوَى لَهُم فِي الصَّحِيح.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحَاكِم بِلَفْظ آخر وَهُوَ: «إِذا بلغ أَوْلَادكُم مبلغ سبع سِنِين ففرقوا بَين فرشهن، وَإِذا بلغُوا عشر سِنِين فاضربوهم عَلَى الصَّلَاة». قَالَ الْحَاكِم أَيْضا: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، فقد احْتج بِعَبْد الْملك عَن آبَائِهِ، ثمَّ اسْتشْهد لَهُ بِحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب السالف، ذكر هَذَا فِي بَاب فضل الصَّلَوَات الْخمس والموضع الأول فِي أَوَاخِر بَاب الْإِمَامَة، وعزى هَذَا الحَدِيث الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام إِلَى صَحِيح ابْن خُزَيْمَة، ثمَّ نقل عَن ابْن أبي خَيْثَمَة أَنه قَالَ: سُئِلَ يَحْيَى بن معِين عَن أَحَادِيث عبد الْملك بن الرّبيع بن سُبْرَة، عَن أَبِيه، عَن جده؟ فَقَالَ: ضِعَاف. وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: هَذَا الحَدِيث أصح مَا فِي الْبَاب، وَقَالَ ابْن عبد الْحق فِيمَا رده عَلَى الْمُحَلَّى: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، ثمَّ ذكر مقَالَة يَحْيَى هَذِه فِي عبد الْملك.
وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق ثَالِث رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخه من حَدِيث مُحَمَّد بن الْحسن بن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا بلغ أَوْلَادكُم سبع سِنِين فعلموهم الصَّلَاة، وَإِذا بلغُوا عشرا فاضربوهم عَلَيْهَا، وَفرقُوا بَينهمَا فِي الْمضَاجِع»، ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد هَذَا مُضْطَرب الْحِفْظ، قَالَ: وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوه، وَهَذَا أولَى، قَالَ: وَالرِّوَايَة فِي هَذَا الْبَاب فِيهَا لين.
قلت: وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق رَابِع رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة فِي تَرْجَمَة عبد الله أبي مَالك الْخَثْعَمِي من حَدِيث عَلّي بن غراب، عَن مُحَمَّد بن عبيد الله، ثَنَا أَبُو يَحْيَى، عَن عَمْرو بن عبد الله، عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «مروا صِبْيَانكُمْ بِالصَّلَاةِ إِذا بلغُوا سَبْعَة...» الحَدِيث، وَعلي هَذَا وَثَّقَهُ ابْن معِين وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَأما أَبُو دَاوُد فَقَالَ: كَذَّاب.
فَائِدَة: فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أنس مَرْفُوعا: «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لسبع سِنِين، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لثلاث عشرَة»، وَفِي إِسْنَاده دَاوُد بن المحبر- بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة، ثمَّ بَاء مُوَحدَة مُشَدّدَة-
صَاحب كتاب الْعقل وَهُوَ ضَعِيف جدًّا، قَالَ أَحْمد: شبه لَا شَيْء. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: ذهب حَدِيثه. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث شبه لَا شَيْء. وَقَالَ ابْن حبَان: يضع الحَدِيث عَلَى الثِّقَات.
وَفِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث امْرَأَة معَاذ بن عبد الله الْجُهَنِيّ، عَن رجل، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا عرف يَمِينه من شِمَاله فَمُرُوهُ بِالصَّلَاةِ».
قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذِه الْمَرْأَة لَا نَعْرِف حَالهَا، وَلَا هَذَا الرجل الَّذِي رَوَت عَنهُ وَلَا صحت لَهُ صُحْبَة.
وَقَالَ صَاحب الإِمَام: الرجل الْمَجْهُول إِن كَانَ صحابيًا فَلَا تضر جهالته عِنْد أهل الحَدِيث وَالْأُصُول.
قلت: فِي طَرِيق ابْن داسة عَن أبي دَاوُد، عَن معَاذ: «دَخَلنَا عَلَيْهِ فَقَالَ: لامْرَأَته...»
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَمِعت أَبَا زرْعَة وذكر حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن أنس عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا عرف الْغُلَام يَمِينه من شِمَاله فَمُرُوهُ بِالصَّلَاةِ» فَقَالَ: الصَّحِيح عَن الزُّهْرِيّ قَوْله.
قلت: وَرَوَاهُ ابْن قَانِع فِي مُعْجم الصَّحَابَة، وَالطَّبَرَانِيّ فِي أَصْغَر معاجمه من حَدِيث عبد الله بن نَافِع، عَن هِشَام بن سعد، عَن معَاذ بن عبد الله الْجُهَنِيّ، عَن أَبِيه، أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا عرف الْغُلَام يَمِينه من شِمَاله فَمُرُوهُ بِالصَّلَاةِ».
قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لَا يرْوَى هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله بن حبيب- وَله صُحْبَة- إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد، تفرد بِهِ عبد الله بن نَافِع.
قلت: هُوَ ثِقَة وَإِن لينه بَعضهم، أخرج لَهُ م 4 وَالله الْمُوفق للصَّوَاب.